الجمعة، 30 أكتوبر 2009

الخدمة هي حل الوحدة

أ/وحيد ...فقد زوجته المحبوبة من سنوات طويلة ...بعد صراع مع المرض ... وكان يحبها جداً ...فتركت في حياته فراغاً هائلاً ..و ثلاثة أولاد


و انشغل أ/وحيد بعمله و بأولاده كل الإنشغال لكي ينسى وحدته ... وكان حينما يخلو لنفسه دقائق ...تتسارع الدموع إلى عينيه حين يتذكر زوجته ...فكان يهرب من هذه الدقائق ...وكبر الأولاد و تزوجوا ...و سافر اثنان منهم للخارج و الثالث مشغول في بيته مع أولاده


ودخل أ/وحيد سن المعاش ... و لم يعد هناك إلا وحدة ... وكانت علاقة أ/وحيد بالكنيسة علاقة بسيطة ...فقد كان يواظب على قداس الأحد و عادة ما يتأخر على الإنجيل ... و لم يكن يقرأ أو يصلي إلا " أبانا الذي "قبل ما ينام ... وكان يظن أنه هكذا يرضي الله و ضميره أيضاً


و لأول مرة في القداس يبكي أ/وحيد وحدته و يطلب من الله معونة وتدخل إلهي ...فلم يعد هناك شغل ولا زوجة .. وحتى الأولاد أصبحت علاقتهم مقتصرة على تليفونات


و خرج أ/وحيد من التناول وعلى سلم الكنيسة قابله أ/ فرج بفرح ...فهو زميل دراسة قديم ..و سأله عن ظروفه و عن سن المعاش وكيف يشغل وقته ؟؟ .. وكادت الدموع تغلبه مرة أخرى في هذا اليوم ..و أحس أ/فرج بما يعانيه أ/وحيد ..فقال له " وحيد أنت لازم تيجي تخدم معانا .. أنا مش لاحق أروح بيتي " قالها أ/فرج بابتسامة رقيقة و ربت على كتفه و قال له " هاشوفك ضروري ..في اجتماع خدام اخوة الرب يوم ... الساعة .... أنا عارف انك هتنبسط "
شكره أ/وحيد ومضى الى بيته وحيداً
و فوجئ في يوم الإجتماع أن أ/فرج يكلمه تليفونياً قبل اٌجتماع بساعتين و يؤكد عليه الحضور ..فخجل منه واستعد للذهاب


ودخل أ/وحيد الكنيسة لأول مرة في اجتماع روحي ..اجتماع خدام ..و شعر بخجل في الصلاة اذ أنه لا يعرف في الأجبية شيئاً و لا يدري في أى صفحة يقرأون ..و ادّعى خجلاً أمام ضميره أن نظارة القراءة ليست معه


وجلسوا للترانيم ...و شعر بسعادة جديدة عليه .. وبتعزية .. وسمع كلمة روحية عن الإقتراب إلي الله ... وكانت كل كلمة يسمعها ...يشعر أنها موجهة له مخصوص .. وكأن ليس في الإجتماع غيره .... حتى أنه كان يلتفت حوله ليري هل يري تأثره أحد ؟ ...لكن الجميع كانوا منتبهين للعظة


ولأن الإجتماع كان مزدحماً ظن أنه لن يجد أ/فرج .. واكتفى بهذا لأنه لا يريد التأخر ليلاً ...و على باب الكنيسة أثناء خروجه بعد الصلاة الختامية وجد أ/فرج على الباب بابتسامته الرقيقة يقول له
" نورت الإجتماع ...على فين ؟؟ "
" مروح بقى ...هو مش خلاص كدة ؟ "
" خلاص ازاي ..احنا اتفقنا هنخدم ...تعالى معي "


و بحب الأصدقاء أمسكه من يده .. و تقدم الصفوف مرة اخرى إلى أبونا .. و عرفه ب أ/وحيد و استقبله أبونا باهتمام و رحب به .. وطلب منه الإنتظار قليلاً ...فلم يتركه أ/فرج ...حينئذ سأله أ/وحيد
" هو انتم بتعملوا ايه في الخدمة ؟؟ "
" احنا بنخدم المناطق الفقيرة ..يعني بنزورهم و نشوف احتياجاتهم و أحوالهم و نعيش مشاكلهم و نصلي معاهم ونأخذ بركتهم "
قال أ/وحيد " لكن أنا عمري ما خدمت ..ومعرفش أتكلم في الدين " ...فرد أ/فرج مبتسماً .. " كلنا كنا كدة ..بس الحكاية سهلة و الناس بسيطة ..انت هتنزل مع حد يعلمك ويسلمك ... أصل الحكاية مش وعظ ... لازم تجرب "
ظل أ/وحيد متردداً إلى أن كلمه أبونا و شجعه جداً و نصحه بأن يبدأ مع أ/فرج بحكم صداقته القديمة


و جاء يوم الخدمة .. وكان أ/وحيد رجل التزام بطبعه فهو نتاج سنوات من العمل و النجاح ..فكان في المكان المتفق عليه قبل الميعاد بدقائق ..


و قابله مجموعة من الخدام من مختلف الأعمار ..لكن ما شجعه أن هناك ثلاثة على الأقل ممن هم على المعاش مثله ..و الكل مبتسم و مرحب .. هكذا قال أ/وحيد في سره


و جاء أ/فرج يلهث على الميعاج بالظبط وكان قائد الفريق (أمين الخدمة ) ..هكذا اكتشف أ/وحيد .. ووجد الكل يحبونه و يضحكون معه كالأطفال .. ونظر أ/وحيد له و قال في سره " يا بختك ... كل الناس دول يعرفوك و بيحبوك "
و ركبت المجموعة المكونة من 20 خادماً أتوبيس صغير و بدأوا بالصلاة ... ووجد أ/وحيد أن الكرسي الملاصق له يجلس فيه انسان وديع ..و اسمه وديع ..في الأربعينات من عمره ...و فتح له الأجبية على الصفحة و ظل يقلب معه الصفحات في اتضاع و أدب ... مماجعل أ/وحيد يشعر بالإرتياح و يصلي المزامير


و بعد الصلاة قال أ/فرج بصوت عالي " بنرحب كلنا ب أ/وحيد و هو خادم جديد وسطنا و صديق قديم " فوجد تصفيقاً حادأ من الكل أجبره على ابتسامة واسعة كانت قد فارقته من سنين طويلة


ثم بدأ أ/فرج يشرح موضوع اليوم و كان عن الصلاة .. وكان مركزا وواضحاً و بسيطاً ..فقال " بصوا ...احنا كل اللي يهمنا في أخر الموضوع اللي هانقوله في كل بيت ..هو ان الناس تحب تصلي و تبدأ تصلي بانتظام ...مش عاوزين كلام وعظ طويل ..لأن الناس بسيطة و أغلبها مش بيعرف يقرأ .. و عاوزين نبتدي نشجعهم يحفظوا صلاة الشكر و المزمور الخمسين و دة في مدة ال 6 شهور القادمة و هانحكي معاهم عن حكاية صديق نصف الليل ( لو 11 :5 – 8 )


فمال أ/وحيد على أ/وديع بقلق و قال " أنا مش هأتكلم ولا أقول حاجة " فابتسم أ/وديع برقة و قال " ماتخافش ...معاك شهرين فرجة "
و بدأ أ/فرج يوزع المسئوليات ..و الخدام اثنين اثنين ...فقال أ/وحيد مندفعاً " ممكن أنزل مع وديع ؟؟ "أجاب أ/فرج بسرعة " طبعاً ممكن .. "


ووصل الفريق المنطقة الفقيرة ( مكان خدمتهم )... و تعجب أ/وحيد من حماس الخدام ومحبتهم للفقراء ومقابلتهم بترحيب شديد ..و دخل ثلاثة بيوت فقيرة شبه معدمة ..مع وديع ..الذي أعجب به جداً في كلامه البيسط عن الصلاة ... ومحاولة تكرار كلمات " فلنشكر صانع الخيرات " للناس حتى يحفظونها ... ولكنه لم يستطع مصارحته إلا بعد شهور أنه نفسه لم يكن يحفظها


و اشتكى البعض من المشاكل ...الفقر و الظروف ... وكان أ/وحيد صامتاً يتفرج كما أوصونه ..فوجد أ/وديع يقول للناس " ربنا يدبر الصالح ..هانشوف ..حاضر ..مش ناسيكم " لكنه لم يعد بشئ و لم يدفع شئ


و في الرجوع وقف أ/وديع وتحدث أمام المجموعة عن مشكلة أحد البيوت التي تحتاج لسقف مسلح .. قبل الشتاء .. وبسرعة تقدم أحد الخدام باقتراح متابعة التنفيذ ..و صارحهم أ/فرج أن صندوق الخدمة لا يتحمل إلا تكلفة شهريات الأرامل و بركة العيد .. و اقترح الكل أن يجمعوا مبلغاً خصيصاً لهذا السقف
و جلس أ/فرج إلى جانب أ/وحيد الدقائق الأخيرة قبل الوصول إلى الكنيسة و سأله عن رأيه ... فأجاب أ/وحيد "رائع بس أنا مش هعرف أتكلم زيكم " أجاب أ/فرج " ماتخافش ..انت بس واظب على الإجتماع و الخدمة كام شهر ..هتلاقي كل حاجة تيجي في وقتها هاتبقى أحسن مننا كلنا "


و رجع أ/وحيد إلى الكنيسة مرهقاً جداً .. و تذكر أيام الشغل و تعبه من سنين لكنه كان سعيداً


و مرت الشهور تباعاً و أحب أ/وحيد الخدمة جداً ..و زادت مسئولياته و استبدلت دموع الوحدة ..بدموع حب الله و دموع حب الفقراء و دموع الصلاة من أجل المحتاجين ...و أحب الخدام أ/وحيد ... و بعد سنتين فوجئ أ/وحيد بأبونا يستدعيه .. وتصور أنه لابد أنه أخطأ في شئ و شعر بالخوف من المؤاخذة .. واذ بأبونا يقول له " ايه رأيك يا أ/وحيدآن الأوان أن تمسك مجموعة جديدة في منطقة جديدة فقيرة لأن الحصاد كثير و الفعلة قليلون "
احمر وجه أ/وحيد خجلاً و قال دون تفكير " أنا!! ... مش معقول أبداً ... أنا ما اعترفتش غير من سنتين ..و أول مرة أمسك الأجبية و الإنجيل بإنتظام .. أنا لسة فيه حاجات كتيرة معرفهاش "
ابتسم ابونا و قال له " ما تخافش ...اللي ابتدى يكمل .. ومتنساش ان قوته في الضعف تكمل ..و أ/فرج هينزل معاك اول كام مرة لتنظيم الخدمة و اي مشكلة تبقى ترجع له أو ترجع لي .. أنا واثق فيك "
خرج أ/وحيد من مكتب أبونا و الدموع في عينيه .. ونظر إلى السماء ..و قال في ره " ماستهلش يارب "
و لم يعد أ/وحيد ... وحيداً ... ولم يعد الوقت كافياً
و لم يعد في القلب إلا حب الله و حب الناس و حب الخدمة
www.tips-fb.com

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق