الخميس، 22 أكتوبر 2009

الخدمة هي حل المشغولية

د/ هادي طبيب متفوق ...خجول .. أقرب إلى الإنطواء .. وصل سن الخامسة والخمسين و لم يتزوج ...ربما بسبب خجله و هدوءه الزائد أو ترده أو ظروف مرض والديه ..حتى رحلا إلى السماء خلال السنوات الأخيرة ...لكن د / هادي كان دائماً حزيناً ...


لم يكن له أصدقاء .. وحتى الأصدقاء القدامى أصبحوا متزوجين و لهم أولاد ... وكثيون منهم سافروا و الكل مشغول ... كانت علاقته بالكنيسة علاقة رسمية حرفية ...القداس ..الاعتراف كل شهرين ..الصلاة دقائق ...كان يتجنب الكبائر ( كما يسميها ) ...لكنه كان سريع الغضب ...يصارع أفكاره الممتلئة شكوك ووساوس بالجملة


لم يكن د/ هادي سعيداً ..وكان يؤرقه عدم الزواج ...لكنه فضل أن يغرق في عمله ومرضاه .. وكان ناجحاً ... لكنه كان يخاف مما يسمعه من مشاكل زوجية وكان يرى دائماً أنه لم يعد السن مناسباً للزواج ولكنه كان وحيداً حزيناً


ظل د/ ممدوخ ..صديقه الوحيد ... المتدين كما يسميه ..ظل يدعوه للخدمة .. وكان د/ هادي يتهرب قائلاً " الخدمة دي للناس الفاضية ..اللي مش لاقية حاجة تعملها "


و لكن د/هادي كان يغير من د/ ممدوح و شخصيته ومحبة الناس له و انطلاقه في الخدمة و قدرته على التوفيق بين بيته و أولاده و عيادته و خدماته الكثيرة في كل مكان


ومع الإلحاح ...قرر د/هادي أن يجرب مرة ...حين طلب منه د/ ممدوح ان يشاركهم في قافلة طبية لقرية صغيرة فقيرة ..مسافة 3 ساعات سفر ..رايح راجع .. وكان اليوم مناسباً له


و أخذ د/هادي أدواته .. وتحركت القافلة المكونة من اربعة سيارات ملاكي كلهم أطباء من الكنيسة ..منهم من هم أصغر منه سناً و قليلون أكبر منه سناً ..لكم الكل كان يحترمه لسمعته الطبية الطيبة و جديته الملحوظة


ز تعجب د/هادي أن هؤلاء ليسوا أبداً من الناس الفاضية – كما كان يقول عليهم – بل أن بعضهم أسماء مشهورة و كل دقيقة عندهم غالية ...لكن كلهم فرحانين بالخدمة بلا حساب للجهد و الوقت


ووصلت القافلة القرية .. ووجد د/هادي أن أبونا الكاهن البسيط هناك ... رجل حكيم ومنظم ..و قد أعد غرف بسيطة تصلح لأن تكون عيادات متخصصة لهذا اليوم فقط .. وكذلك فريق من شباب القرية لتنظيم دخول المرضى الفقراء ..وكان للأدوية ... ونظام للتحويل لمستشفى للآشعة .. وكذلك معمل صغير أحضره د/ممدوح حسب تخصصه للتحاليل الأولية ..فأعجب د/هادي جدا بهذا الترتيب المحكم بالرغم من ضيق الظروف و المكان و بساطة امكانيات القرية


و فوجئ د/هادي أن في انتظارهم مئات من المرضى واقفين طوابير ..و فيزيتا مخفضة جداً ..خمسون قرشاً فقط .. وضحك في نفسه قائلاً "بقيت دكتور من ابو خمسين قرش " ... وهكذا وجد نفسه وسط المرضى الكثيرين ..و بعضهم غير مسيحيين يتم معاملتهم بكل احترام من خدام القرية كأهل و أصدقاء و أحباء ..و بدأت الكشوف و مرت الساعات و فوجئ أنه اشتغل سبعة ساعات متواصلة دون أن يلتفت للتعب حتى أنه بدأ يدوخ من التعب


و لم يخرج مريض من عنده الا و دعى له بالبركة و الخير و الستر ... وكان د/هادي يتأثر من بساطة الناس ... ومع التعب الشديد والإرهاق ..أخذ الكل فسحة من الوقت ليأكلوا معاً و يرتاحوا قليلاً ..


وجد د/ هادي نفسه لأول مرة من سنين يضحك مع الأطباء و يتكلم بطلاقة ..و يحكي عن الست أم راضي اللي قعد يفهم منها أي شكوى وفي الأخر طلعت عايزة حبوب منع الحمل !!


و بعد الراحة و الأكل استمرت الخدمة ثلاث ساعات أخرى .. ودخل د/ممدوح لداخل غرفة د/هادي و قال له " ياللا يا هادي كفاية ..لازم نمشي ..الدكاترة استوت "
" معلش يا ممدوح فاضل 3 ..مش معقول يمشوا"
فخرج د/ممدوح بالإجابة مبتسماً وفي سره " أخيراً السنارة غمزت "


وفي طريق العودة نام الكل من فرط التعب


وعند باب الكنيسة قال د/ممدوح ل د/هادي " تعبناك يا دكتور "
" ده أحي يوم في عمري يا ممدوح ...أرجوك ماتحرمنيش من الخدمة دي ...أنا مستني المرة الجاية بفارغ الصبر "


و ثاني يوم دخل د/هادي العيادة بابتسامة عريضة على شفتيه و تذكر الطوابير الطويلة و الدعاوي الحلوة و اليوم الطويل فقال في باله
" صحيح ...طلعت الخدمة احلى من الشغل "
www.tips-fb.com

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق