الثلاثاء، 31 يناير 2012

هذا السر مقدس

( أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها ) – أف 5 : 25 –

لم أكن أفهم هذه الآية يا أحبائى حتى عشت أحداث قصة " عم راضى " ، والكنيسة اليوم ، 13 طوبة ، تحتفل بعرس قانا الجليل ، إسمحوا لى أن أشرككم معى قصته :

عم " راضى " رجل طيب عاش بالقاهرة فى منطقة جزيرة بدران ، حتى تنيح فى بداية السبعينيات من القرن الماضى ، كان رجلا عاديا يخرج كل يوم إلى عمله ، ويراه أهل شارعه فى ذهابه وإيابه ، ولا يعلم أحد منهم أى عظمة يحملها هذا الرجل.

لقد تزوج عم راضى فى شبابه بزوجة جميلة ملأت حياته بهجة وسرور ، ورزق منها بطفليه الصغيرين ، ولم يكن هناك ما يعكر صفو حياته ، ولم يكن يدرى ماذا تخبىء الأيام لهذه الأسرة السعيدة ، فما مرت أعوام قليلة على حياتهما الهانئة حتى نكبت الأسرة بمرض الزوجة الشابة ، وجاء تشخيص المرض صادم ، إنه نوع خطير ومزمن من ضمور العضلات ، فما هى إلا شهور قليلة حتى كانت الزوجة طريجة الفراش لا تحرك ساعدا أو ساق ، وهنا بدأ إختبار معدن هذا الرجل العملاق ...

كان " عم راضى " يبدأ نهاره مبكرا جدا ، يبدأه راكعا بجوار سرير زوجته مرنما مزامير صلاة باكر بصوت رخيم مسموع حتى تشترك زوجته معه فى الصلاة ، ثم يعد طعام الإفطار لطفليه ، ويعتنى بأمر إستحمام زوجته وتغيير فرشتها ، ثم يحملها مرة أخرى إلى سريرها ليقوم بإطعامها بيده ، ثم يصحب طفليه إلى مدرستيهما ، وحينما يعود من عمله يعيد ما عمله صباحا ، ثم يحمل زوجته على كرسيها إلى ( بلكونة ) شقتهما المتواضعة ( وهى جسد هامد لا يتحرك فيه سوى اللسان والعينان ) حيث يعد لها " الشاى " ويأنس بمجالستها ، ويفرح بحديثها الهامس البسيط ، ويحكى لها كل ما يسر قلبها ، ملقيا عنها أى إحساس بالضيق أو كآبة المرض ... لم يضجر مرة ولم يحتج ، لم يشتك قط ، بل كان دائم الإبتسامة فى وجهها وأمام الناس .

هل تعلم كم من الزمن مر على " عم راضى " وهو ( راضى ) بما قسم الله له ؟ ثمانية عشر عاما ، نعم ، ثمانية عشر سنه كبر خلالها طفلاه ، وكبر حبه لزوجته المشلولة ولم يكن يعكر صفو حياته إلا بعض من أقاربه :
لماذا ترضى يهذه العيشة ؟
كيف تدفن نفسك بهذا الشكل ؟
اودعها فى مصحة أو دار رعاية وهم قادرون على رعايتها .
نحن نساعدك الحصول على الطلاق !! ،
يا راجل دا إنت فى عز شبابك ....
كل هذه السماجات أغلق الباب أمامها تماما ، بل وقاطع بعضا من أقاربه الذين ألحوا عليه فى هذا الأمر ، وصرخ فيهم مرة : ( لن يجرؤ أحد أن يهدم هذا السر المقدس الذى ربطنى به الروح وزوجتى ، إنها جسدى ، إنها لحمى ، كيف تقطعونه منى ؟ وهل كنتم ستقولون مثل هذا الكلام لزوجتى لو قدر أن إنعكس الحال وكنت أنا المريض ؟ ، إن من يدخل بيتى عليه أن يحترم السر المقدس الذى أقيم عليه هذا البيت ) .... كان يتكلم بكل قلبه كمن إختبر سر المسيح الذى أحب الكنيسة كجسده وإرتفع بسر الزيجة المقدسة إلى مستوى سر حبه هو – له المجد – لهذه الكنيسة

آه يا عم راضى ، إن الكنيسة حافلة فعلا وزاخرة بالقديسين من أمثالك ، لقد إنتقلت زوجتك بعد أن أكملت أنت الرسالة معها كاملة ، كبر الأولاد ، وإنفضت المسؤوليات ، فعاد الأهل إلى نصيحتهم لك بالزواج !! . وماذا ستكون حجتك الآن ؟ لقد تعبت زمانا ، ومن حقك أن تبدأ من جديد .. وهذا هو الناموس والقانون ، وأنت إحترمت القانون ولم تكسر الناموس .

والحوا ، وذادوا فى الضغط والإلحاح ، وألحوا بأكثر شدة ، وكانت الضغوط أقوى من أن يحتمل الرجل ، فرضح للأمر ، حيث إختار له الأقارب " عروسة " جديدة ، وتمت الخطبة فعلا وسط فرحة الكل ، إلا عم راضى ، فلم يكن قلبه راضيا ..... وفوجئنا كلنا بوفاة عم راضى بعد إسبوع واحد من الخطبة وهو فى كامل صحته ، وأبى إلا أن يكون معها فى السماء ..... وكأنه يقول لنا ، أن الروح أعظم من الحرف ، والوفاء أسمى من الناموس . والذى بارك فى عرس قانا الجليل وجمعه فى كل عرس وإلى اليوم ، لا يفرقه إنسان

( الصورة ليست لعم راضى ، إنها صورة لوالدى الراحل ووالدتى – اطال الله عمرها – مثال لبركة جيل عرف معنى وقيمة السر المقدس ، والطفل بينهما هو شخصى الضعيف فى عمر حفيدى الآن ، لتحل بركة الآباء على الأبناء ، من جيل إلى جيل وإلى دهر الداهرين , آمين )

من الخواطر الجميلة لأبونا بيسنتي جرجس
www.tips-fb.com

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق