طُلِبَ اليَّ منذ بضع سنوات أن أبشّر بين المسجونين في سجن مدينة “متشيجان” وكان
هناك حوالي 700 سجيناً من شيوخ وشبان من بينهم 67 محكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة لجرائم قتل.وبعد أن وقفت لخدمة الكلمة لم أتمالك نفسي من البكاء . فتركت مكاني وتوجهت الى هؤلاء التعساء المساكين وكنت أمسك بيد الواحد بعد الآخر وأصلي لأجله وفي نهاية صف المحكوم عليهم مدى الحياة كان رجل فض تركت لعنة الخطية على وجهه آثار ما أرتكبه من رذائل وآثام ، فوضعت يدي على كتفه ، وبكيت وصليت لأجله ومعه. وبعد أن أنتهت الخدمة وخرجنا قال لي مأمور السجن “أتذكر ذلك الرجل الذي كان في آخر صف المحكوم عليهم لمدى الحياة الذي صليت لأجله ؟ أتريد ان تعرف شيئاً عن تاريخه ؟
فقلت “نعم”
فقال : هاك تاريخه باختصار هذا الشخص أسمه “توم جالسون” وقد دخل السجن منذ ثمانية أعوام من أجل جريمة قتل وكان أجرم المسجونين الذين رأيتهم في حياتي وسبب لنا متاعب كثيرة وفي ليلة عيد الميلاد، وكان ذلك منذ ست سنوات أضطررت أن اقضي تلك الليلة في مكتبي بالسجن بدلاً من أن أقضيها في بيتي وفي الصباح الباكر جداً والظلام باقٍ خرجت قاصداً منزلي وجيوبي مليئة بالهدايا لأبنتي الصغيرة ،وكان البرد قارساً جداً ، وبينما انا أسرع في الخطى لمحت شبحاً يتسلل في ظل جدار السجن فوقفت لأتحقق الأمر فرأيت طفلة صغيرة يستر جسدها ثوب رقيق قديم وفي رجليها حذاء مهترئ وفي يدها علبة صغيرة من الورق فتركتها وتابعت سيري ولكن سرعان ما شعرت بأنها تلاحقني فوقفت وقلت لها ماذا تطلبين ؟
فقالت : “هل أنت يا سيدي مأمور السجن ؟
فقلت “نعم من أنتِ ولماذا لا تمكثي في بيتك في مثل هذا الوقت ؟
فقالت”يا سيدي ليس لي بيت . لقد ماتت أمي منذ اسبوعين في “دار الفقراء” وقبل ان تلفظ أنفاسها الأخيرة قالت لي ان أبي توم جالسون في السجن .وربما كان أبي يا سيدي يحب ان يرى ابنته الصغيرة بعد ان ماتت أمها فهل تتكرم وتدعني أرى بابا ؟ واليوم عيد الميلاد و أحب أن أقدم له هذه الهدية.
فقلت : كلا ، عليكِ ان تنتظري حتى اليوم المخصص للزيارات
ثم تابعت سيري ولكنها أسرعت ورائي و أمسكت بطرف سترتي وقالت مستعطفة والدموع تملأ عينيها وذقنها ترتعش : “يا سيدي لو ان ابنتك الصغيرة كانت مكاني وأمها هي التي ماتت في “دار الفقراء”وأباها في السجن وليس لها مكان تأوي أليه وليس لها من يعطف عليها ويحبها ألا تظن أنها كانت تود ان ترى أباها ؟ .ولو أني كنت أنا مأمور السجن وجاءتني أبنتك الصغيرة تلتمس رؤية والدها لتقدم له هدية عيد الميلاد ، أما تظن اني كنت اسمح لها ؟
عندئذ تأثرت تأثيراً عميقاً والدموع تجري من عينيَّ “نعم يا ابنتي الصغيرة أظن انكِ كنتِ تسمحين وسترين أباكِ الآن” وأمسكت بيدها وقفلت راجعاً الى السجن وصورة ابنتي الصغيرة ترتسم أمامي وما ان وصلت الى مكتبي حتى أجلست الفتاة بجوار المدفأة وأمرت واحداً من الحراس أن يجيء بالمسجون رقم 37 من زنزانته وما ان دخل الى مكتبي ورأى ابنته حتى تغير وجهه وقطب جبينه وغضب قائلاً بلهجة وحشية قاسية “نللي ماذا تفعلين هنا ؟ ماذا تطلبين اخرجي وعودي الى أمكِ”
فقالت الطفلة وهي تبكي “ارجوك يا بابا ـ ان أمي ماتت ـ ماتت أمي منذ اسبوعين في دارالفقراء وقبل ان تموت اوصتني بأخي جيمي لأنك كنت تحبه وقالت لي ان اقول لك انها انها كانت تحبك ـ ولكن يا بابا ـ وهنا اختنق صوتها بالبكاء ـ ولكن مات جيمي ايضاً منذ اسبوع والآن أنا وحيدة يا بابا واليوم عيد الميلاد وكما كنت تحب جيمي فكرت انه يسرك ان تقبل منه هدية عيد الميلاد وهنا فتحت العلبة الصغيرة التي في يدها وأخرجت منها خصلة صغيرة جميلة من الشعرووضعتها في يد أبيها قائلة “لقد قصصتها من رأس جيمي يا بابا قبل ان يدفنوه” وهنا شهق ذلك الرجل بالبكاء كطفل صغير وبكيت أنا أيضاً و أنحنى الرجل وأحتضن طفلته الصغيرة وضمها إلى صدره في رفق وحنان بينما كان جسده كله يهتز من الأنفعال . كان منظراً مؤثراً جداً فلم أستطع أحتماله ففتحت الباب وتركتهما منفردين ثم عدت بعد ساعة فوجدت الرجل جالساً بجوار المدفأة وعلى ركبته طفلته الصغيرة فنظرا ليَّ خجلاً وبعد برهة
قال “يا سيدي ليس معي نقود” وصمت برهة ثم خلع سترة السجن وقال “من اجل خاطر ربنا ابنتي الصغيرة هذه تخرج هذا اليوم في البرد القارس بهذا الثوب الرقيق أسمح لي ان اعطيها هذه السترة ونظير ذلك سأنهض في الصباح الباكر جداًواشتغل حتى ساعة متأخرة من الليل وسأنفذ كل أمر وسأكون رجلاً وانساناً . أرجوك يا سيدي أن تسمح لي أن أستر جسدها بهذه السترة وعلى وجه ذلك الرجل الفظ كانت الدموع تجري وتسيل فقلت “كلا يا جالسون لتكن سترتك لك وأبنتك هذه لا تحمل همها . سآخذها الى بيتي وستعمل لها زوجتي كل ما يلزم” فقال جالسون “ليباركك الرب” … وأخذت الطفلة إلى منزلي وبقيت معنا عدة سنوات وأصبحت مؤمنة بالرب يسوع المسيح وبعد ذلك آمن توم جالسون ولم يعد يسبب لنا أية متاعب”. هذه هي قصة توم جالسون التي سمعتها منذ عدة سنوات من مأمور السجن وفي العام الماضي زرت ذلك السجن أيضاً وقال لي المأمور “أتريد ان ترى توم جالسون فقلت “أني أريد ذلك بكل سرور” فخرج بي مأمور السجن إلى شارع هادئ ووقفنا أمام منزل أنيق وقرع بابه ففتحت له فتاة جميلة المنظر ضاحكة الوجه وقابلت المأمور بأحر التسليمات القلبية ودخلنا وعرَّفني المأمور بوالد الفتاة ،و هو توم جالسون نفسه الذي بسبب تجديده صدر قرار بالعفو عنه وهو الآن يعيش حياة مسيحية مستقيمة مع أبنته التي ليَّنت قلبه الحجري بهدية الميلاد الصغيرة وكانت أحب عبارات الكتاب المقدس عنده هي الواردة في رسالة رومية 4 : 5 و 5 : 6
وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يُحسَب له براً .. لأن المسيح اذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعيَّن لأجل الفجار.”
إرسال تعليق