جاء أحد أمراء الإسكندرية إلى منطقة القلالي لينال بركة آباء البرية، وكان معه مالًا ليقدمه للأخوة الرهبان.
ابتدأ يزور قلالي الرهبان، وبعد كل زيارة كان يقدم للراهب تقدمة، سائلًا منه أن يذكره في صلاته. فكان الراهب يجاوبه انه سيذكره في صلاته ويرفض تمامًا قبول أي مبلغ، لأن لديه ما يكفيه...
حاول الأمير مع كل الرهبان فلم يجد بينهم أحدًا يقبل شيئًا على الإطلاق، وأخيرًا جاء إلى القديس مقاريوس وسجد بين يديه، قائلًا: "لأجل محبة المسيح اقبل مني هذا القليل من المال لخدمة الآباء".
أجابه القديس: "نحن جميعًا بنعمة اللَّه مكتفون، وليس لنا احتياج إلى شيء، وكل الأخوة يعملون بأكثر مما يحتاجون".
حزن الأمير جدًا حاسبًا كأن اللَّه قد رفض تقدمته، وقال: "يا أبتي، من أجل اللَّه لا تخيب تعبي، واقبل مني هذا القليل الذي أحضرته".
قال له القديس: "امضِ يا ولدي وأعطه للأخوة". أما الأمير فقال: "لقد حاولت ذلك، طفت على جميع الأخوة، ولم يأخذ أحد منه شيئًا، بل كان بعضهم لا ينظر إليه البتة".
فرح القديس بذلك وطلب من الأمير أن يأخذ معه ماله إلى العالم ويقدمه للمحتاجين في العالم، أما الذين في الرهبنة فهم أموات، لا حاجة لهم إلى شيء مما في العالم.
لم يسترح قلب الأمير، إذ حسب كأن اللَّه قد رفض تقدمته. فترفق به القديس وطلب منه أن ينتظر قليلًا. ثم أخذ منه المال وأفرغه على الأرض أمام باب الدير، وأمر بضرب الناقوس، فجاء الأخوة وكان عددهم حوالي 2400 راهبًا.
وقف بينهم القديس وقال: "يا أخوة من أجل محبة المسيح، إن كان أحدكم محتاجًا إلى شيء فليأخذ من هذا المال بمحبة".
عبر جميعهم على المال، ولم تمتد يدّ أحدهم إليه.
لم يحتمل الأمير المنظر، فألقى بنفسه بين يديَّ القديس صارخًا: "من أجل اللَّه رهبني".
أوضح القديس للأمير تعب الرهبنة الكثير... فأصر على الرهبنة، أما من جهة المال فبنى به موضعًا بالدير.
لم يوجد بين 2400 راهبًا إنسان يمد يده ليأخذ شيئًا من أموال مُقَدَّمة بحب لهم، وكان كل منهم يحسب نفسه قد مات مع المسيح وقام، فلا حاجة له إلى شيء. من أجل الرب يعمل ويجاهد لكي يقتات بالكفاف وما تبقى يقدمه للمحتاجين في العالم.
هذا ليس حال الراهب فحسب، بل كل مسيحي حقيقي يدخل القائم من الأموات قلبه، فلا يشعر بالعوز،
يجد مسرته في العطاء والبذل، لا في الأخذ والاقتناء! يعيش كل حياته كينبوع يفيض على الغير بالعطاء في سخاءِ!
* لأمت معك، وأقوم معك،
فأتنعم بحياتك المقامة المجيدة!
* لا تعوزني شيء من هذا العالم،
إذ أجد فيك كفايتي ومجدي!
* لأقتنيك فلا اشتهي شيئًا!
لأنعم بك، فتفيض حياتي بالعطاء الدائم!
وأجد مسرتي في العطاء لا الأخذ!
إرسال تعليق