جلس شنودة مع ابنه يروى له حياة القديس أنطونيوس، كيف باع كل شيء ووزع نصيبه على المحتاجين، وبدأ حياته النسكية في كوخٍ على شاطئ النهر، ثم انتقل إلى البرية الشرقية حيث عاش في مغارة، لا عمل له إلا العبادة الدائمة مع ضفر السعف وعمل السلال والحُصر يعيش منها، ويرسل ما يفيض للمحتاجين.
كان الابن يتابع سيرة القديس الذي كانت الشياطين تحاربه ولا تقوى عليه.
قال الابن: "هل كان القديس يهرب من الناس؟
- كان يهرب من لقائهم أحيانًا، لكنه كان يحب الكل، ويصلي لأجلهم.
- لماذا لم يخدم في الكنيسة؟
- لم يخدم كشماسٍ أو كاهنٍ، لكنه كان يسند البابا أثناسيوس، بزيارة الإسكندرية كان كثير من الهراطقة يرجعون إليه.
بسيرته كسب كثيرين للسيد المسيح مثل القديس أغسطينوس الذي تاب بمجرد سماعه عنه.
جاءه فلاسفة ملحدون وآمنوا على يديه أو خلال سيرته.
- هل لا بد لي أن أصير راهبًا لأبلغ درجته لدى اللَّه؟
- لا؛ سأروى لك كيف بلغ خياط بسيط بالإسكندرية مرتبة القديس أنطونيوس.
- كيف.
أخذ شنودة يروي لابنه قصة الخياط الطوباوي، قائلًا:
بينما كان القديس يصلي في قلايته يبدو أن فكرًا عبر به: هل يوجد من بلغ مرتبتي لدى اللَّه؟
فجأة سمع القديس صوتًا يقول له: "يا أنطونيوس. إنك لم تبلغ بعد ما بلغه خياط بالإسكندرية".
دُهش القديس، فقام للحال وأخذ عصاه، وهي قطعة "جريد"، وسار إلى الإسكندرية.
اهتز قلب الخياط البسيط أمام القديس الشيخ، واستقبله بحبٍ شديد، وحاول أن يقدم له طعامًا بكرمٍ شديدٍ، أما القديس فقال له: "ما هو عملك؟ وما هو تدبيرك الروحي؟"
أجاب الخياط: "لست أظن إني أعمل شيئًا من الصلاح".
قال القديس: "أخبرني كيف تقضي يومك؟"
قال الخياط: "إني استيقظ مبكرًا أصلي؛ وقبل أن أبدأ أشكر اللَّه وأباركه؛ وأضع خطاياي أمام عيني، وأقول لنفسي: إن كل الناس الذين في المدينة سيذهبون إلى ملكوت السموات لأعمالهم الصالحة، أما أنا فصارت لي العقوبة الأبدية لخطاياي. إنني أكرر هذا الكلام عينه في المساء قبل أن أنام.
إذ سمع القديس هذا الكلام قال:
"حقًا كمن يشتغل في الذهب، ويصنع أشياءً جميلة ونقية في هدوءٍ وسلامٍ، هكذا أنت أيضًا، فبواسطة أفكارك الطاهرة سترث ملكوت اللَّه، بينما أنا الذي قضيت حياتي بعيدًا عن الناس منعزلًا في الصحراء لم أبلغ بعد ما بلغته أنت".
- هل يمكن يا أبي أن أصير قديسًا؟
- لقد دعاك لتصير قديسًا.
- ماذا أفعل؟
- تذكر مع هذا الخياط البسيط ضعفك،
ولتملئ رجاءً وفرحًا بمخلصك،
فتشكر اللَّه، وتباركه،
طول النهار قبل كل عملٍ.
---------------------------------------------------
* خطيتي أمامي في كل حين يا مخلصي الصالح.
حبك يغمرني فلا أيأس قط.
* أنا أول الخطاة،
بك أصير متهللًا مع قديسيك!
هب لي حياة الشكر الدائم،
فلا يتوقف كل كياني عن التسبيح لك!
إرسال تعليق