.... كان مستغرقاً في نومه حين همس الملاك في أذنه "إلي متي تعيش هكذا؟
ظلاً لإنسان أخر يتحكم فيك كما يشاء؟!.. "وكان الصوت مترفقاً نصوحاً فلم
يفزع ذلك النائم وإنما رد في هدوء "ماذا تعني يا سيدي الملاك؟ "
فأجابه الملاك " أقصد أنك في أفكارك وفي حياتك الروحية قد فقدت
شخصيتك ، وأصبحت تعيش بشخصية غيرك. هناك رجل آخر كبر في عيني
نفسه ، ثم ظل يكبر في عينيك أنت ، حتى جعلته مَثلك الأعلى تتبعه في كل
شيء : ترتفع معه إن ارتفع ، وتسقط معه حيثما سقط ، آراؤه آراؤك وانحرافاته
هي انحرافاتك ، بل انك تدافع عن أفكاره أكثر مما يدافع هو عنها. وأنت تؤمن
بمبادئ هذا "السيد" دون نقاش يكفيك أ معبودك هذا قد نطق بها في وقت ما "
وأحس ذلك النائم أن كل ما قاله الملاك صحيح ، ولكنه أراد توضيحاً لموقفه
فقال : "وهل من ضير يا سيدي الملاك في أن أتبعه مادامت أفكاره سليمة
ليس فيها شيء من الخطأ ؟ فقال الملاك : "ومن أدراك أن كل أفكاره
سليمة ؟ هل تؤمن بأن سيدك هذا معصوم من الخطأ ؟ أليس من الجائز أن
يخطئ كإنسان ؟ وإن أخطأ فكيف تعرف ذلك ، ما دمت لا تسمع إلا أفكاره
ولا تود أن تقبل غيرها ؟ وما دام كل شخص يعارض أفكار هذا "السيد"
هو في نظرك شخص لا يصح أن تستمع إليه ، وإن استمعت فبروح الجدل ،
محاولاً أن ترد علي كل فكرة وأن تنقضها دون أن تتفهمها لا لشيء إلا لأنها
تعارض آراء سيدك!! "
وفرك النائم عينيه في خجل ليتحقق ما إذا كان صاحياً أم نائماً بينما استمر
الملاك في حديثه : " إن روحك حبيسة تود أن تنطلق ولا تستطيع ، لأنها
مقيد بقيود هذا الإنسان.... إنه يعطيك من المعلومات ما يريدك هو أن
تعلمه : يعلن لك ما يشاء من الحقائق ويحبس عنك ما يشاء.
وحتى المعلومات التي عندك من ذاتك ، والتي تكتسبها عن غير طريقه
، خاضعة هي أيضاً لمراجعته.
إنك قد فقدت شخصيتك تماماً. وأصبحت لا تتصرف من تلقاء نفسك.
كلما حاقت بك مشكلة تستصرخ به لينقذك ، وكلما عرض لك أمر من
الأمور لا تحاول أن تبت فيه بحل حتى يجئ "سيدك" ويحله.
وإن تصرفت في الأمر يستطيع أن يلغي تصرفك متي يشاء وكيفما
يشاء دون أن تعترض.
إن أقصي ما يمكن أن تصل إليه في حياتك هو أن تصبح صورة باهتة
من هذا الإنسان. شخصيتك التي خلقك الله بها قد ضاعت ، وشخصيته
هو لن تستطيع أن تصل إليها تماماً ، لأن الظروف الروحية والعقلية
والاجتماعية التي كونتها(الشخصية) هي غير ظروفك. وهكذا أراك
تتأرجح في وضع غير مستقر بين الحالتين.
واستمع ذلك النائم إلي كل هذه العبارات وهو يشعر أنها تمس صميم
نفسه، بل أنه فيما بينه وبين نفسه يحس أنه قد أصبح ضيق الصدر
بسلطان ذلك "السيد".
وهكذا وجد الشجاعة في أن يطلب إلي الملاك أن يوجِد له حلاً
فقال "ولكن كيف أستطيع يا سيدي الملاك أن أناقش معلمي؟"
فأجابه الملاك : "أقول لك - والقياس مع الفارق - إن الله يحب
أن يكون أولاده أقوياء الشخصية حتى أنه كان يسمح لهم أن
يناقشوه " أنظر أرميا وهو يقول " أبر أنت يا رب من أن
أخاصمك ولكني أكلمك من جهة أحكامك، لماذا تنجح طريق
الأشرار، اطمأن كل الغادرين غدراً " (أر 1:12 ) واستمع
إلي إبراهيم وهو يناقش الله تمجد اسمه ويقول : " حاشا لك
أن تفعل مثل هذا الأمر...أديان الأرض كلها لا يصنع
عدلاً ؟ " (تك 25:18 )
وانتقل معي أيضاً إلي موسي وهو يكلم خالقه فوق الجبل
بنفس الأسلوب فيقول له : " ارجع عن حمو غضبك
واندم عن الشر" (خر 12:32 )
فقال النائم للملاك " والآن ماذا تريد يا سيدي الملاك
أن أفعل ؟ " فأجابه الملاك " أريد ألا تلقي قيادتك إلي
إنسان معين ، وإنما استمع إلي كثيرين ، واقرأ للكثيرين
، واستعرض ما تشاء من الآراء. وليكن لك روح الإفراز
فتميز الرأي السليم من الرأي الخاطىء ، وتعتنق من كل
ذلك ما يناسب حالتك أنت بالذات من جهة تكوينك الروحي
والعقلي، وما يناسب ظروفك الاجتماعية والعملية ، ويتناسب
أيضاً مع سنك ، عالماٍ أن هناك طرقاً كثيرة تؤدي إلي الله ،
وقد يكون الطريق الذي صلح لغيرك غير الطريق الذي
يصلح لك أنت بالذات ، الطريق الذي اختاره لك الله
- وليس الناس - دون غيره من الطرق.
....ثم استيقظ النائم من نومه ، ليري نفسه إنساناً
جديداً قد انطلقت روحه ، حرة من كل قيد، تبحث
عن الحق أينما وجد ولا تؤمن بعبادة الأشخاص......
إرسال تعليق