حكايتنا قديمة هذه المرة ، حدثت منذ عشرين عاما ، حيث كنت طالبا في مدرسة ….. الثانوية بنين ، في الصف الثالث الثانوي بالتحديد ، في هذه الفترة لم تكن الثانوية العامة كابوسا كالذي يواجهه الطلبة اليوم ، لم تكن صداعا ينبض في أمخاخ كل أفراد الأسرة المصرية ، بل حتى الدروس الخصوصية كانت وصمة عار ، فالطالب الذي لاينجح إلا بالدروس الخصوصية هو طالب فاشل.
أهم ما ميز مدرستنا في ذلك الزمان هو مدرس الرياضيات أستاذ صبحي ( هذا اسم مستعار ) ، فهذا المدرس كان حديث المدرسة كلها ، فهو مدرس غير شريف بكل ما تحمله الكلمة من معان ، سليط اللسان لدرجة لا تتخيلها ، فجميع أنواع السباب والشتائم تتساقط من فمه كالسيول ، بسبب أو بدون سبب ، سواء كان الموقف يحتمل أو لا يحتمل ، إذا كان غاضبا أو هادئا ، كما إنه انتهج مسلكا ملتويا جدا ليجبر الطلبة على تلقي درس خصوصي عنده في مادة الرياضيات ، فلقد كانت امتحانات الشهر ليست ذات قيمة ولا تؤثر على مجموع آخر العام إلا أنها تعكس المستوى الدراسي والاستيعابي للطالب ، لذا فامتحان مادة الرياضيات كان الأسوأ دائما ، نادرا ما تجد من ينجح فيه ، فمن ثم يقلق الأهالي في البيت على مستوى أولادهم ، فيجدوا أستاذ صبحي المنقذ والملجأ والملاذ في مادة الرياضيات.
كنت أكره هذا الأستاذ من أعماق قلبي ، بتعنته وبجاحته وشتائمه وأساليبه الملتوية ولفافة التبغ (السيجارة ) التي لا تفارق فمه وكان هذا فيما مضي ذنب لا يغتفر ،أن يدخل المدرس ليعلم الأدب قبل العلم ( شعار وزارة التربية والتعليم ) و هو يلوك لفافة تبغ في فمه ، هذه جريمة ، لست أدري ما هو الحال في المدارس تلك الأيام ؟
... رغم كراهيتي لذلك الأستاذ ، أستاذ صبحي ، إلا إنها كانت ممزوجة بالمرارة ، لأنه للأسف مسيحي ، نعم أنت لم تخطيء قراءة العبارة السابقة ، هذا الصبحي مسيحي الديانة والكل يعلم تلك المعلومة السخيفة التي تسيء لنا كثيرا ، فسيرته على كل لسان مما يحزننا جدا.
مرت الأيام ، نجحت بتفوق ، التحقت بكلية الطب ، صرت طبيب مسالك لامع ونسيت تماما أستاذ صبحي ، وبعد حوالي عشرين عاما ، رأيته ، نعم رأيته ، بالطبع تحول شعره الأسود إلي لون الثلج ، والتجاعيد غزت وجهه ، لكنه هو.
أغرب ما في الأمر ، هو أين رأيته ؟ رأيته في الكنيسة ، كنيستنا ، وهذه ــ في اعتقادي ــ أول مرة يذهب للكنيسة ، لكن الأغرب إنه تقدم للتناول ، ناولته كوب ماء بعد التناول ، فشكرني دون أن يتعرفني.
انتهى القداس وكان الفضول أقوى مني ، كيف حدث هذا ؟ الرجل يبدو إنه اختلف تماما ، حتى ملامحه صارت أكثر طيبة ، كيف حدثت تلك المعجزة ؟ كان الفضول ينهش أحشائي ، يجب أن أعرف ، يجب أن أعلم ، هل أصيب بسرطان الرئة ، فشعر أن الدنيا زائلة وتاب ؟ هل مات له عزيز ؟ فأثر ذلك فيه ، لكن ماذا سأقول له ؟
أخيرا قررت أن أقتحمه اقتحاما ( صباح الخير يا أستاذ صبحي ؟ أنا ….. كنت تلميذلك منذ 20 عاما في مدرسة…. الثانوية بنين ، هل تذكرني ؟
كانت بداية سخيفة جدا مني ، من الواضح إنه لا يتذكرني بتاتا ، يبدو أن 20 عاما في دراسة الطب ومزاولته تكفي لتغيير معالم الوجه ، بعد التعارف وكيف حالك والأسرة الكريمة وأتعشم أن تكون في خير حال وألا تكون مصابا بسرطان المثانة لأنه منتشر بكثرة بين المدخنين ( لا تنس إنني طبيب مسالك بارع )
( أستاذي العزيز ، لدي سؤال ، قد يكون غير لائق ولكني أحترق شوقا لمعرفة جوابه ، كيف ؟ كيف حدث هذا التغيير في حياتك ؟ آسف ، لكنك كنت بعيدا تماما ، ولم أشاهدك مرة واحدة في الكنيسة ، لقد كانت كل المدرسة تتحدث عنك ، ما سر هذا التغيير ؟ )
كنت أتوقع أن يغضب أو يستاء من السؤال ، لكنه ابتسم ابتسامة عذبة وقال لي في هدوء ( لن تصدق ما الذي غير حياتي ؟ إنه ابني ، فلقد تزوجت من امرأة تقية بذلت جهدها معي لأترك طريق الظلام ، لكن بلا جدوي ، وعندما أنجبت ، حرصت زوجتي على أن تذهب بابني الوحيد للكنيسة ، وقد تعلم كثيرا في مدارس الأحد ، وجدته ذات يوم يسألني لماذا دائما أشتم ؟ رغم أن الخادم قال لهم ( من قال لأخيه يا أحمق يستوجب نار جهنم ) ، كان طفلا في الصف الخامس الابتدائي وكنت أبا فاشلا ، حاولت أن أحافظ على شكل الأب في أعماقه ، سعيت لترك السباب ، لكن كان ذلك صعبا ، حاولت أن أبتعد عن السيجارة لكن كان ذلك مستحيلا ، لقد صارت هذه العادات جزءا لا يتجزأ من شخصيتي.
لكن حرصي على أن أحافظ على القدوة ، جعلني أصارع نفسي وذاتي وشهواتي ، وبعد سنين من الصراع نجحت ، ابتعدت عن السجائر ، تركت الشتيمة ، لقد أحببت حياتي مع الله ، فابتدأت أذهب للكنيسة كل أحد مع ابني الوحيد ، لقد نجح في تغيير دفة حياتي ، لقد نجح في تغييرى ، رغم سنوات عمره التي لا تتعدي 11 عاما.
لا يستهن أحد بحداثتك بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الإيمان في الطهارة (1تي
أهم ما ميز مدرستنا في ذلك الزمان هو مدرس الرياضيات أستاذ صبحي ( هذا اسم مستعار ) ، فهذا المدرس كان حديث المدرسة كلها ، فهو مدرس غير شريف بكل ما تحمله الكلمة من معان ، سليط اللسان لدرجة لا تتخيلها ، فجميع أنواع السباب والشتائم تتساقط من فمه كالسيول ، بسبب أو بدون سبب ، سواء كان الموقف يحتمل أو لا يحتمل ، إذا كان غاضبا أو هادئا ، كما إنه انتهج مسلكا ملتويا جدا ليجبر الطلبة على تلقي درس خصوصي عنده في مادة الرياضيات ، فلقد كانت امتحانات الشهر ليست ذات قيمة ولا تؤثر على مجموع آخر العام إلا أنها تعكس المستوى الدراسي والاستيعابي للطالب ، لذا فامتحان مادة الرياضيات كان الأسوأ دائما ، نادرا ما تجد من ينجح فيه ، فمن ثم يقلق الأهالي في البيت على مستوى أولادهم ، فيجدوا أستاذ صبحي المنقذ والملجأ والملاذ في مادة الرياضيات.
كنت أكره هذا الأستاذ من أعماق قلبي ، بتعنته وبجاحته وشتائمه وأساليبه الملتوية ولفافة التبغ (السيجارة ) التي لا تفارق فمه وكان هذا فيما مضي ذنب لا يغتفر ،أن يدخل المدرس ليعلم الأدب قبل العلم ( شعار وزارة التربية والتعليم ) و هو يلوك لفافة تبغ في فمه ، هذه جريمة ، لست أدري ما هو الحال في المدارس تلك الأيام ؟
... رغم كراهيتي لذلك الأستاذ ، أستاذ صبحي ، إلا إنها كانت ممزوجة بالمرارة ، لأنه للأسف مسيحي ، نعم أنت لم تخطيء قراءة العبارة السابقة ، هذا الصبحي مسيحي الديانة والكل يعلم تلك المعلومة السخيفة التي تسيء لنا كثيرا ، فسيرته على كل لسان مما يحزننا جدا.
مرت الأيام ، نجحت بتفوق ، التحقت بكلية الطب ، صرت طبيب مسالك لامع ونسيت تماما أستاذ صبحي ، وبعد حوالي عشرين عاما ، رأيته ، نعم رأيته ، بالطبع تحول شعره الأسود إلي لون الثلج ، والتجاعيد غزت وجهه ، لكنه هو.
أغرب ما في الأمر ، هو أين رأيته ؟ رأيته في الكنيسة ، كنيستنا ، وهذه ــ في اعتقادي ــ أول مرة يذهب للكنيسة ، لكن الأغرب إنه تقدم للتناول ، ناولته كوب ماء بعد التناول ، فشكرني دون أن يتعرفني.
انتهى القداس وكان الفضول أقوى مني ، كيف حدث هذا ؟ الرجل يبدو إنه اختلف تماما ، حتى ملامحه صارت أكثر طيبة ، كيف حدثت تلك المعجزة ؟ كان الفضول ينهش أحشائي ، يجب أن أعرف ، يجب أن أعلم ، هل أصيب بسرطان الرئة ، فشعر أن الدنيا زائلة وتاب ؟ هل مات له عزيز ؟ فأثر ذلك فيه ، لكن ماذا سأقول له ؟
أخيرا قررت أن أقتحمه اقتحاما ( صباح الخير يا أستاذ صبحي ؟ أنا ….. كنت تلميذلك منذ 20 عاما في مدرسة…. الثانوية بنين ، هل تذكرني ؟
كانت بداية سخيفة جدا مني ، من الواضح إنه لا يتذكرني بتاتا ، يبدو أن 20 عاما في دراسة الطب ومزاولته تكفي لتغيير معالم الوجه ، بعد التعارف وكيف حالك والأسرة الكريمة وأتعشم أن تكون في خير حال وألا تكون مصابا بسرطان المثانة لأنه منتشر بكثرة بين المدخنين ( لا تنس إنني طبيب مسالك بارع )
( أستاذي العزيز ، لدي سؤال ، قد يكون غير لائق ولكني أحترق شوقا لمعرفة جوابه ، كيف ؟ كيف حدث هذا التغيير في حياتك ؟ آسف ، لكنك كنت بعيدا تماما ، ولم أشاهدك مرة واحدة في الكنيسة ، لقد كانت كل المدرسة تتحدث عنك ، ما سر هذا التغيير ؟ )
كنت أتوقع أن يغضب أو يستاء من السؤال ، لكنه ابتسم ابتسامة عذبة وقال لي في هدوء ( لن تصدق ما الذي غير حياتي ؟ إنه ابني ، فلقد تزوجت من امرأة تقية بذلت جهدها معي لأترك طريق الظلام ، لكن بلا جدوي ، وعندما أنجبت ، حرصت زوجتي على أن تذهب بابني الوحيد للكنيسة ، وقد تعلم كثيرا في مدارس الأحد ، وجدته ذات يوم يسألني لماذا دائما أشتم ؟ رغم أن الخادم قال لهم ( من قال لأخيه يا أحمق يستوجب نار جهنم ) ، كان طفلا في الصف الخامس الابتدائي وكنت أبا فاشلا ، حاولت أن أحافظ على شكل الأب في أعماقه ، سعيت لترك السباب ، لكن كان ذلك صعبا ، حاولت أن أبتعد عن السيجارة لكن كان ذلك مستحيلا ، لقد صارت هذه العادات جزءا لا يتجزأ من شخصيتي.
لكن حرصي على أن أحافظ على القدوة ، جعلني أصارع نفسي وذاتي وشهواتي ، وبعد سنين من الصراع نجحت ، ابتعدت عن السجائر ، تركت الشتيمة ، لقد أحببت حياتي مع الله ، فابتدأت أذهب للكنيسة كل أحد مع ابني الوحيد ، لقد نجح في تغيير دفة حياتي ، لقد نجح في تغييرى ، رغم سنوات عمره التي لا تتعدي 11 عاما.
لا يستهن أحد بحداثتك بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الإيمان في الطهارة (1تي
إرسال تعليق