الخميس، 24 مايو 2012

*تجلي التخلي*



يقول أحد الآباء :
كنت أعظ حول موضوع تجلي السيد المسيح فوق جبل طابور،
عام 96 في إحدى الكنائس بأمريكا .
قلت وقتها : لقد غطي الجسد السيد المسيح ، وخبأ لنا مجده مدة
تزيد عن العشرة آلاف يوم ، باستثناء جزء من هذا اليوم الذي 
فيه رأت بعض العيون جزءاً من سني مجده ، في جزء من الوقت 
وذلك نتعرف عليه في الأرض ، قبلما نفاجأ بهالته هذه التي تكسو
السماء وتملأ الأرض ، دون أن نراها.
فالمسيح ليس مسيح المزود والقبر والصليب..
ليس مسيح الضعف والفقر اللذان لازماه وزاملاه ، فهذا هو المسيح 
علي صورته الحقيقية...أنه مسيح جبل التجلي...

واضطررت لأن أسوق لسامعي هذا المثال :
عاشت طفلة مع أبيها تلهو وتمرح وتلعب وتفرح....
كان أبوها مستشاراً ، ورئيساً لإحدى محاكم الوجه القبلي،
يتمتع بالجاه والغني والسلطان والمركز المرموق.
ملأ والدها البيت خدماً وخيراً...
وكانت هذه الطفلة تنتظره قادماً إليها في كل مساء ، لتقفز فوق
كتفه، وتلعب بيديها في شعر رأسه، وتحتضن كفتاها وجنتيه ،
ويضم صدرها الصغير هامته، وتقلب فيه يمنة ويسرة ، بينما
تهتز قدماها الصغيرتان علي إبطه، وترتطمان ببطنه، وتصطدمان 
بكل جزء في جسمه..
والأب (سيادة المستشار) يبذل مع طفلته المدللة هذه من الجهد جهيده
ملاعباً مداعباً..ويحتملها ثم يحملها صاعداً إلي الطوابق العليا، حيث
يقيم وتقيم...
هذا المشهد يتكرر معه ومعها كل يوم...
ولكنها ذهبت يوماً إليه في قاعة المحكمة، وحضرت له محاكمة،
عادت بعدها تبكي قائلة : بابا ده مرعب خالص....ازاي أنا كنت 
بأقدر اعمل فيه كده ؟! أنا النهاردة شفت صورة جديدة فيه لم أكن
أتصورها ولم أكن أتوقعها...باب في البيت غير في المحكمة...
بابا اللي في المحكمة ده شخص آخر غير اللي أنا عايشة معاه 
طول عمري..أنا لو أعرف كده ولو شفت كده قبل كده ماكنتش 
قدرت أقرب منه بالصورة اللي عشتها معاه طول عمري..
لقد رأت الطفلة أباها، وقد جلس بينما اصطف الكل وقوفاً، وساد
الصمت عند دخوله المرتقب، والكل يحتسب ألف حساب لكل 
حرف يخرج من فمه، والمجرمون خلف أقفاصهم الحديدية ترعبهم
نظرته، وحاجب المحكمة يصرخ عند دخوله بصوت جهوري :
محكمة ، والأساتذة والمحامون ينادونه بأفضل الألقاب وأشرفها:
عدالتكم، ورجال الأمن بلا فحص ولا مناقشة ينفذون كل أوامره 
بكل دقة كسلطة تنفيذية في خدمة سلطته القضائية ، ولا أحد يتكلم
أو يتحادث إلا بإذنه، وليس بمقدور كائن الدنو منه أو الاقتراب إليه
بكلمة أو بتصرف فيه دالة، ويصمت الكل حين يتحدث هو 
وقد يتكلم البعض حين يصمت هو، ولا احد يجرؤ علي 
مواصلة دفاع أو مرافعة أو تظلم حيث يقول هو : رفُعت الجلسة 
، وفي وجوده يرأس كل شيء وكل أحد، ولا يرأسه أحد، الكل يدنو
منه بكل مهابة وإجلال واحترام ممزوج بالخوف والرعب، وإذا سار
في نهاية الجلسة لا أحد قبله، إنما الكل بعده، وكل من يجلس في بهو
القضاء يأتمر بأمره ويخضع لسلطته وسطوته..
فعادت الطفلة تقول : مش معقول يكون اللي في المحكمة بابا، ومش 
معقول يكون اللي في البيت ده سيادة المستشار..
هذا هو رب المجد يسوع في صورتي المزود وطابور..
لقد جمع بين القوة والضعف، الغني والفقر، العطاء والاحتياج ،
الإنسان والله الظاهر في الجسد..

لقد تنازل عن كل هذا، كي تدنو منه كما تدنو الطفلة من أبيها 
وطالبة مثل بطرس الرسول بمظال ثلاثة لا ستة، ناسياً نفسه
وخليه، متناسياً أن شمساً كشمسنا هذه لن تؤثر في شمس البر
الرب يسوع....

انه عيد التجلي..
أو تجلي التخلي....
حيث اخلي ذاته آخذاً صورة عبد....




www.tips-fb.com

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق